فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو القصة الثالثة، وهو قصة صالح.
أما قوله: {وإلى ثمود} فالمعنى {ولقد أرسلنا نوحًا} [الأعراف: 59] {إلى عاد أخاهم هودًا} [الأعراف: 65] {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} [هود: 61] وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمودًا لقلة مائها من الثمد، وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى، وقيل سميت ثمود لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
المسألة الثانية:
قرئ {وإلى ثمود} يمنع التصرف بتأويل القبيلة {وإلى ثمود} بالصرف بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر، وقد ورد القرآن بهما صريحًا.
قال تعالى: {ألا إن ثمودًا كفروا ربهم ألا بعدًا لثمود} [هود: 68].
واعلم أنه تعالى حكى عنه أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله كما ذكره من قبله من الأنبياء.
ثم قال: {قد جاءتكم بينة من ربكم} وهذه الزيادة مذكورة في هذه القصة، وهي تدل على أن كل من كان قبله من الأنبياء كانوا يذكرون الدلائل على صحة التوحيد والنبوة، لأن التقليد وحده لو كان كافيًا لكانت تلك البينة هاهنا لغوًا، ثم بين أن تلك البينة هي الناقة فقال: {هذه ناقة الله لكم آية} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ذكروا أنه تعالى لما أهلك عادًا قام ثمود مقامهم، وطال عمرهم وكثر تنعمهم، ثم عصوا الله، وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا وكان منهم، فطالبوه بالمعجزة.
فقال: ما تريدون.
فقالوا: تخرج معنا في عيدنا، ونخرج أصنامنا وتسأل إلهك ونسأل أصنامنا، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا، فخرج معهم فسألوه أن يخرج لهم ناقة كبيرة من صخرة معينة، فأخذ مواثيقهم أنه إن فعل ذلك آمنوا فقبلوا، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت تلك الصخرة كما تتمخض الحامل، ثم انفرجت وخرجت الناقة من وسطها، وكانت في غاية الكبر وكان الماء عندهم قليلًا فجعلوا ذلك الماء بالكلية شربًا لها في يوم، وفي اليوم الثاني شربًا لكل القوم قال السدي: وكانت الناقة في اليوم التي تشرب فيه الماء تمر بين الجبلين فتعلوهما ثم تأتي فتشرب فتحلب ما يكفي الكل، وكأنها كانت تصب اللبن صبًا، وفي اليوم الذي يشربون الماء فيه لا تأتيهم وكان معها فصيل لها.
فقال لهم صالح: يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه، فذبح تسعة نفر منهم أبناءهم، ثم ولد العاشر فأبى أن يذبحه أبوه، فنبت نباتًا سريعًا، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجونه به، وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء، واشتد ذلك عليهم، فقال الغلام: هل لكم في أن أعقر هذه الناقة؟ فشد عليها، فلما بصرت به شدت عليه، فهرب منها إلى خلف صخرة فأحاشوها عليه، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت.
فذلك قوله: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} وأظهروا حينئذ كفرهم وعتوا من أمر ربهم، فقال لهم صالح: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حمرًا، واليوم الثاني صفرًا، واليوم الثالث سودًا، فلما صبحهم العذاب تحنطوا واستعدوا.
إذا عرفت هذا فنقول: اختلف العلماء في وجه كون الناقة آية فقال بعضهم: إنها كانت آية بسبب خروجها بكمالها من الصخرة.
قال القاضي: هذا إن صح فهو معجز من جهات: أحدها: خروجها من الجبل، والثانية: كونها لا من ذكر وأنثى، والثالثة: كمال خلقها من غير تدريج.
والقول الثاني: أنها إنما كانت آية لأجل أن لها شرب يوم، ولجميع ثمود شرب يوم، واستيفاء ناقة شرب أمة من الأمم عجيب، وكانت مع ذلك تأتي بما يليق بذلك الماء من الكلأ والحشيش.
والقول الثاني: أن وجه الإعجاز فيها أنهم كانوا في يوم شربها يحلبون منها القدر الذي يقوم لهم مقام الماء في يوم شربهم.
وقال الحسن: بالعكس من ذلك، فقال إنها لم تحلب قطرة لبن قط، وهذا الكلام مناف لما تقدم.
والقول الرابع: أن وجه الإعجاز فيها أن يوم مجيئها إلى الماء كان جميع الحيوانات تمتنع من الورود على الماء، وفي يوم امتناعها كانت الحيوانات تأتي.
واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها آية، فأما ذكر أنها كانت آية من أي الوجوه فهو غير مذكور والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة والله أعلم.
المسألة الثانية:
قوله: {هذه ناقة الله لكم آية} فقوله: {آية} نصب على الحال أي أشير إليها في حال كونها آية، ولفظة {هذه} تتضمن معنى الإشارة، و{آية} في معنى دالة.
فلهذا جاز أن تكون حالًا.
فإن قيل: تلك الناقة كانت آية لكل أحد، فلماذا خص أولئك الأقواك بها؟ فقال: {هذه ناقة الله لكم آية}.
قلنا: فيه وجوه: أحدها: أنهم عاينوها وغيرهم أخبروا عنها، وليس الخبر كالمعاينة.
وثانيها: لعله يثبت سائر المعجزات، إلا أن القوم التمسوا منه هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح، فأظهرها الله تعالى لهم، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص.
فإن قيل: ما الفائدة في تخصيص تلك الناقة بأنها ناقة الله؟
قلنا: فيه وجوه: قيل أضافها إلى الله تشريفًا وتخصيصًا كقوله: بيت الله، وقيل: لأنه خلقها بلا واسطة، وقيل: لأنها لا مالك لها غير الله.
وقيل: لأنها حجة الله على القوم.
ثم قال: {فذروها تأكل في أرض الله} أي الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فذروها تأكل في أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم، ولا تمسوها بسوء ولا تضربوها ولا تطردوها ولا تقربوا منها شيئًا من أنواع الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا علي أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك». اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} يعني أرسلنا إلى ثمود نبيهم صالحًا قال بعضهم: ثمود اسم القرية.
وقال بعضهم: ثمود اسم القبيلة وأصله في اللغة الماء القليل.
ويقال: كانت بئرًا بين الشام والحجاز.
ويقال: هي عين يخرج منها ماء قليل في تلك الأرض ويقال لها أرض الحِجر كما قال في آية أُخرى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين} [الحجر: 80] وقال بعضهم: كان في تلك القرية أهل تسعمائة بيت.
وقال بعضهم: ألف وخمسمائة، فأتاهم صالح ودعاهم إلى الله سنين كثيرة فكذبوه وأرادوا قتله فخرجوا إلى عبد لهم، فأتاهم صالح ودعاهم إلى الله تعالى.
فقالوا له: إن كنت نبيًا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عَشَرَاء حتى نؤمن بك ونصدقك فقام صالح وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فتحركت الصخرة وانصدعت عن ناقة عشراء ذات زغب فلم يؤمنوا به فولدت الناقة ولدًا وقال بعضهم خرج ولدها خلفها من الصخرة.
فصارت الناقة بلية ومحنة عليهم، وكانت من أعظم الأشياء فتأتي مراعيهم فتنفر منها دوابهم.
وتأتي العين وتشرب جميع ما فيها من الماء.
فجعل صالح الماء قسمة بينهم يومًا للناقة، ويومًا لأهل القرية، فإذا كان اليوم الذي تشرب الناقة لا يحضر أحد العين وكانوا يحلبونها في ذلك اليوم مقدار ما يكفيهم، وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
فاجتمعوا لقتل الناقة فقال لهم صالح: لا تفعلوا فإنكم إذا قتلتموها يأتيكم العذاب فجاؤوا ووقفوا على طريق الناقة فلما مرت بهم الناقة متوجهة إلى العين رماها واحد منهم يقال له مصدع بن وهر فأصابت السهم رجل الناقة فلما رجعت الناقة من العين خرج قدار بن سالف وهو أشقى القوم كما قال الله تعالى: {إِذِ انبعث أشقاها} [الشمس: 12] فضربها بالسيف ضربة فقتلها وقسموا لحمها على أهل القرية.
وروي عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال: لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد جبلًا وقال ثلاث مرات أين أمي أين أمي أين أمي؟ فأخبر بذلك صالح فقال يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام.
فقالوا: وما العلامة في ذلك؟ فقال: أن تصبحوا في اليوم الأول وجوهكم مصفرة، وفي اليوم الثاني وجوهكم محمرة، وفي اليوم الثالث وجوهكم مسودة.
ثم خرج صالح من بين أظهرهم مع من آمن منهم فأصبحوا في اليوم الأول وجعل يقول بعضهم لبعض: قد اصفر وجهك، وفي اليوم الثاني يقول بعضهم لبعض: قد احمر وجهك، وفي اليوم الثالث يقول بعضهم لبعض: قد اسود وجهك.
فأيقنوا جميعًا الهلاك.
فجاء جبريل عليه السلام وصاح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم، ويقال: قد أتتهم النار فأحرقتهم فذلك قوله تعالى: {قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا الله} أي: وحدوا الله: {ما لكم من إله غيره} قد ذكرناه {قَدْ جَاءَتكُمْ بَيِّنَةً مِنْ رَبِّكُمْ} يقول: قد أتيتكم بعلامة نبوتي وهي الناقة كما قال الله تعالى: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} أي علامة لنبوتي لكي تعتبروا وتوحّدوا الله ربكم {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} يقول: دعوها ترتع في أرض الحجر {وَلا تَمَسُّوها بِسوءٍ} يقول: لا تعقروها {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو ما عذبوا به. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وإلى ثَمُودَ}.
قرأ يحيى بن وثاب: إلى هود بالصرف والتنوين. والباقون بغير الصرف وإنّما يعني: وإلى بني ثمود، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس وأراد هاهنا القبيلة.
قال أبو عمرو بن العلا: سُمّيت ثمود لقلّة مائها والثمد الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى {أَخَاهُمْ صَالِحًا} وهو صالح بن عبيد بن أسف ابن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود {قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} حجّة ودلالة من ربّكم على صدقي {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ} أضافها إليه على التفضيل والتخصيص كما يقال: بيت الله.
وقيل: أُضيفت إلى الله لأنّها كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وأُنثى ولم يكن في صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعي {آيَةً} نصب على الحال أي انظروا إلى هذه الناقة {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ} العشب {في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء} ولا تصيبوها بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً}.
في الآية هنا وجهان:
أحدهما: أن الآية الفرض كما قال تعالى: {وَأَنَزَلْنَا فِيهَا ءَايَاتٍ} [النور: 1] أي فرضًا، ويكون معنى الكلام هذه ناقة الله عليكم فيها فرض أن تذروها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} أي لا تعقروها.
والثاني: أنها العلامة الدالة على قدرته.
والآية فيها آيتان:
إحداهما: أنها خرجت من صخرة ملساء تمخضت بها كما تتمخض المرأة ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها.
والثانية: أنه كان لها شرب يوم، ولهم شرب يوم يخصهم لا تقرب فيه ماءهم، حكي ذلك عن أبي الطفيل والسدي وابن إسحاق. اهـ.